الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: جامع الرسائل **
مذاهب متفلسفة القرامطة في الصفات: أما المتفلسفة القرامطة فيقولون: إن الرسل كلموا الخلق بخلاف ما هو الحق وأظهروا لهم خلاف ما يبطنون وربما يقولون أنهم كذبوا لأجل مصلحة العامة فإن مصلحة العامة لا تقوم إلا بإظهار الإثبات وإن كان في نفس الأمر باطلاً وهذا مع ما فيه من الزندقة البينة والكفر الواضح قول متناقض في نفسه فإنه يقال لو كان الأمر كما تقولون والرسل من جنس رؤسائكم لكان خواص الرسل يطلعون على ذلك ولكانوا يطلعون خواصهم على هذا الأمر فكان يكون النفي مذهب خاصة الأمة وأكملها عقلاً وعلماً ومعرفة والأمر بالعكس فإن من تأمل كلام السلف والأئمة وجد أعلم الأمة عند الأمة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود ومعاذ بن جبل وعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وأبي بن كعب وأبي الدرداء وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وأمثالهم هم أعظم الخلق إثباتاً وكذلك أفضل التابعين مثل سعيد بن المسيب وأمثاله والحسن البصري وأمثاله وعلي بن الحسين وأمثاله وأصحاب ابن مسعود وأصحاب ابن عباس وهم من أجل التابعين بل النقول عن هؤلاء في الإثبات يجبن عن إظهاره كثير من الناس وعلى ذلك تأول يحيى بن عمار وصاحبه شيخ الإسلام أو إسماعيل الأنصاري ما يروى أن من العلم كهيئة المكنون لا يعرفه إلا أهل العلم بالله فإذا ذكروه لم ينكره إلا أهل الغرة بالله تأولوا ذلك على ما جاء من الإثبات لأن ذلك ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جمع علماء الحديث من النقول عن السلف في الإثبات ما لا يحصي عدده إلا رب السموات ولم يقدر أحد أن يأتي عنهم في النفي بحرف واحد إلا أن يكون من الأحاديث المختلفة التي ينقلها من هو أبعد الناس عن معرفة كلامهم. ومن هؤلاء من يتمسك بمجملات سمعها بعضها كذب وبعضها صدق مثل ما ينقلونه عن عمر أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يتحدثان وكنت كالزنجي بينهما فهذا كذب باتفاق أهل العلم بالأثر وبتقدير صدقه فهو مجمل فإذا قال أهل الإثبات كان ما يتكلمان فيه من هذا الباب لموافقته ما نقل عنهما كان أولى من قول النفاة أنهما يتكلمان بالنفي وكذلك حديث جراب أبي هريرة لما قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جرابين أما أحدهما فبثثته فيكم وأما الآخر فلو بثثته لقطعتم هذا البلعوم - فإذن هذا حديث صحيح لكنه مجمل قد جاء مفسراً أن الجراب الآخر كان فيه حديث الملاحم والفتن ولو قدر أن فيه ما يتعلق بالصفات فليس فيه ما يدل على النفي بل الثابت المحفوظ من أحاديث أبي هريرة كحديث إتيانه يوم القيامة وحديث النزول والضحك وأمثال ذلك كلها على الإثبات ولم ينقل عن أبي هريرة حرف واحد في النفي من جنس قول النفاة. مذهب الجهمية في الصفات: وأما الجهمية المتكلمة فيقولون أن القرينة الصارفة لهم عما دل عليه الخطاب هو العقل فاكتفى بالدلالة العقلية الموافقة لمذهب النفاة: فيقال لهم أولاً: فحينئذ إذا كان ما تكلم به إنما يفيدهم مجرد الضلال وإنما يستفيدون الهدى من عقولهم كان الرسول قد نصب لهم أسباب الضلال ولم ينصب لهم أسباب الهدى وأحالهم في الهدى على نفوسهم فيلزم على قولهم إن تركهم في الجاهلية خير لهم من هذه الرسالة التي لم تنفعهم بل ضرتهم. ويقال لهم ثانياً: فالرسول صلى الله عليه وسلم قد بين الإثبات الذي هو أظهر في العقل من قول النفاة مثل ذكره لخلق الله وقدرته ومشيئته وعلمه ونحو ذلك من الأمور التي تعلم بالعقل أعظم مما يعلم نفي الجهمية وهو لم يتكلم بما يناقض هذا الإثبات فكيف يحيلهم على مجرد العقل في النفي الذي هو أخفى وأدق وكلامه لم يدل عليه بل دل على نقيضه وضده ومن نسب هذا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فالله حسيبه على ما يقول. والمراتب ثلاث إما أن يتكلم بالهدى أو بالضلال أو يسكت عنهما ومعلوم أن السكوت عنهما خير من التكلم بما يضل وهنا يعرف بالعقل أن الإثبات لم يسكت عنه بل بينه وكان ما جاء به السمع موافقاً للعقل فكان الواجب فيما ينفيه العقل أن يتكلم فيه بالنفي كما فعل فيما يثبته أما إذا تكلم فيه بما يدل على الإثبات وأراد منهم أن لا يعتقدوا إلا النفي لكون مجرد عقولهم تعرفهم به فإضافة هذا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من أعظم أبواب الزندقة والنفاق. ويقال لهم ثالثاً: من الذي سلم لكم أن العقل يوافق مذهب النفاة بل العقل الصريح إنما يوافق ما أثبته الرسول وليس بين المعقول الصريح والمنقول الصحيح تناقض أصلاً وقد بسطنا هذا في مواضع بينا فيها أم ما يذكرون من المعقول المخالف لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما جهل وضلال تقلده متأخروهم عن متقدميهم وسموا ذلك عقليات إنما هي جهليات ومن طلب من تحقيق ما قاله أئمة الضلال بالمعقول لم يرجع إلا إلى مجرد تقليدهم فهم يكفرون بالشرع ويخالفون العقل تقليداً لمن توهموا إنه عالم بالعقليات وهم مع أئمتهم الضلال كقوم فرعون معه حيث قال: " وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه عرج به ليلة الإسراء ووجد في السماء الأولى آدم عليه السلام وفي الثانية يحيى وعيسى ثم في الثالثة يوسف ثم في الرابعة إدريس ثم في الخامسة هارون ثم وجد موسى ثم عرج إلى ربه وفرض عليه خمسين صلاة ثم رجع إلى موسى فقال له: ارجع إلى ربك فاسأل التخفيف لأمتك فإن أمتك لا تطيق ذلك قال: " فرجعت إلى ربي فسألته التخفيف لأمتي " وذكر أنه رجع إلى موسى ثم رجع إلى ربه مراراً فصدق موسى في أن ربه فوق السموات وفرعون كذب موسى في ذلك والجهمية النفاة موافقون لآل فرعون أئمة الضلال وأهل السنة والإثبات موافقون لآل إبراهيم أئمة الهدى وقال تعالى: " ووهبنا له إسحق ويعقوب نافلة وكلاً جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا خاشعين " وموسى ومحمد من آل إبراهيم بل هم سادات آل إبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين. الوجه الثاني: في تبيين وجوب الإقرار بالإثبات وعلو الله على السموات أن يقال: من المعلوم أن الله تعالى أكمل الدين وأتم النعمة وأن الله أنزل الكتاب تبياناً لكل شيء وأن معرفة ما يستحقه الله وما تنزه عنه هو من أجل أمور الدين وأعظم أصوله وأن بيان هذا وتفصيله أولى من كل شيء فكيف يجوز أن يكون هذا الباب لم يبينه الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفصله ولم يعلم أمته ما يقولون في هذا الباب وكيف يكون الدين قد كمل وقد تركوا على البيضاء ولا يدرون بماذا يعرفون ربهم أبما تقوله النفاة أو بأقوال أهل الإثبات. الثالث: أن يقال كل من فيه أدنى محبة للعلم أو أدنى محبة للعبادة لا بد أن يخطر بقلبه هذا الباب ويقصد فيه الحق ومعرفة الخطأ من الصواب فلا يتصور أن يكون الصحابة والتابعون كلهم كانوا معرضين عن هذا لا يسألون عنه ولا يشتاقون إلى معرفته ولا تطلب قلوبهم الحق منه وهم ليلاً ونهاراً يتوجهون بقلوبهم إليه ويدعونه تضرعاً وخيفة ورغباً ورهباً والقلوب مجبولة مفطورة على طلب العلم فهذا ومعرفة الحق فيه وهي مشتاقة إليه أكثر من شوقها إلى كثير من الأمور ومع الإرادة الجازمة والقدرة يجب حصول المراد وهم قادرون على سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم وسؤال بعضهم بعضاً وقد سألوه عما هو دون هذا سألوه: هل نرى ربنا يوم القيامة فأجابهم وسأله أبو رزين: أيضحك ربنا فقال: " نعم " فقال: لن نعدم من رب يضحك خيراً. ثم إنهم لما سألوه عن الرؤية قال: " إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر " فشبه الرؤية بالرؤية والنفاة لا يقولون: يرى كما ترى الشمس والقمر بل قولهم الحقيقي أنه لا يرى بحال ومن قال يرى موافقة لأهل الإثبات ومنافقة لهم فسر الرؤية بمزيد علم فلا تكون كرؤية الشمس والقمر. والمقصود هنا أنهم لا بد أن يسألوا عن ربهم الذي يعبدونه - إن كان ما تقوله الجهمية حقاً - وإذا سألوه فلا بد أن يجيبهم ومن المعلوم بالاضطرار أن تقوله الجهمية النفاة لم ينقله عنه أحد من أهل التبليغ عنه وإنما نقلوا عنه ما يوافق قول أهل الإثبات. الوجه الرابع: أن يقال إما أن يكون الله يحب منا أن نعتقد قول النفاة أو نعتقد قول أهل الإثبات أو لا نعتقد واحداً منهما فإن كان مطلوبه منا اعتقاد قول النفاة وهو أنه لا داخل العالم ولا خارجه وإنه ليس فوق السموات رب ولا على العرش إله وأن محمداً لم يعرج به إلى الله وإنما عرج به إلى السموات فقط لا إلى الله فإن الملائكة لا تعرج إلى الله بل إلى ملكوته وإن الله لا ينزل منه شيء ولا يصعد إليه شيء وأمثال ذلك وإن كانوا يعبرون عن ذلك بعبارات مبتدعة فيها أجمال وإبهام وإيهام كقولهم ليس بمتحيز ولا جسم ولا جوهر ولا هو في جهة ولا مكان وأمثال هذه العبارات التي تفهم منها العامة تنزيه الرب تعالى عن النقائص ومقصدهم هم أنه ليس فوق السموات رب ولا على العرش إله يعبد ولا عرج بالرسول إلى الله وإنما المقصود أنه إن كان الذي يحبه الله لنا أن نعتقد هذا النفي فالصحابة والتابعون أفضل منا فقد كانوا يعتقدون هذا النفي والرسول صلى الله عليه وسلم كان يعتقده وإذا كان الله ورسوله يرضاه لنا وهو إما واجب علينا أو مستحب لنا فلا بد أن يأمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بما هو واجب علينا ويدنينا إلى ما هو مستحب لنا ولا بد أن يظهر عنه وعن المؤمنين ما فيه إثبات لمحبوب الله ومرضاته وما يقرب إليه لا سيما مع قوله عز وجل " وإن كان يحب منا مذهب الإثبات وهو الذي أمرنا به فلا بد أيضاً أن يبين ذلك لنا ومعلوم أن في الكتاب والسنة من إثبات العلو والصفات أعظم مما فيهما من إثبات الوضوء والتيمم والصيام وتحريم ذوات المحارم وخبيث المطاعم ونحو ذلك من الشرائع فعلى قول أهل الإثبات يكون الدين كاملاً والرسول صلى الله عليه وسلم مبلغاً مبيناً والتوحيد عند السلف مشهوراً معروفاً والكتاب والسنة يصدق بعضه بعضاً والسلف خير هذه الأمة وطريقهم أفضل الطرق والقرآن كله حق ليس فيه إضلال ولا دل على كفر بل هو الشفاء والهدى والنور وهذه كلها لوازم ملتزمة ونتائج مقبولة فقولهم مؤتلف غير مختلف ومقبول غير مردود وإن كان الذي يحبه الله ألا نثبت ولا ننفي بل نبقى في الجهل البسيط وفي ظلمات بعضها فوق بعض لا نفرق الحق من الباطل ولا الهدى من الضلال ولا الصدق من الكذب بل نقف بين المثبتة والنفاة موقف الشاكين الحيارى " وفي صحيح مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يصلي يقول: " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " فهو يسأل ربه أن يهديه لما اختلف فيه من الحق فكيف يكون محبوب الله عدم الهدى في مسائل الخلاف وقد قال الله له: " الثاني: أن يقال عدم العلم بمعاني القرآن والحديث ليس مما يحب الله ورسوله فهذا القول باطل. الثالث: أن يقال الشك والحيرة ليست محمودة في نفسها باتفاق المسلمين غاية ما في الباب أن من لم يكن عنده علم بالنفي ولا الإثبات يسكت فأما من علم الحق بدليله الموافق لبيان رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم فليس للواقف الشاك الحائر أن ينكر على العالم الجازم المستبصر المتبع للرسول العالم بالمنقول والمنقول. الرابع: أن يقال السلف كلهم أنكروا على الجهمية النفاة وقالوا بالإثبات وأفصحوا به وكلامهم في الإثبات والإنكار على النفاة أكثر من أن يمكن إثباته في هذا المكان وكلام الأئمة المشاهير مثل مالك والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وعبد الرحمن بن مهدي ووكيع بن الجراح والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي عبيدة وأئمة أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد موجود كثير لا يحصيه أحد. وجواب مالك في ذلك في الإثبات فإن السائل قال له: يا أبا عبد الله " وسلف الأمة وأئمتها متفقون على الإثبات رادون على الواقفة والنفاة مثل ما رواه البيهقي وغيره عن الأوزاعي قال: كنا - والتابعون متوافرون - نقول: إن الله فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته. وقال أبو مطيع البلخي في كتاب الفقه الأكبر: سألت أبا حنيفة عمن يقول: لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض قال: كفر لأن الله يقول " قال عبد الله بن نافع: كان مالك بن أنس يقول: الله في السماء وعلمه كل مكان. وقال معدان: سألت سفيان الثوري عن قوله تعالى: " وهو معكم أيضاً " قال علمه. وقال حماد بن زيد فيما ثبت عنه من غير وجه رواه ابن أبي حاتم والبخاري وعبد الله بن أحمد وغيرهم: إنما يدور كلام الجهمية على أن يقولوا ليس في السماء شيء. وقال علي بن الحسن بن شقيق: قلت لعبد الله بن المبارك بماذا نعرف ربنا قال: بأنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه. قلت بحد قال: بحد لا يعلمه غيره وهذا مشهور عن ابن المبارك ثابت عنه من غير وجه وهو نظر صحيح ثابت عن أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغير واحد من الأئمة. وقال رجل لعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمن قد خفت الله من كثرة ما أدعو على الجهمية قال: لا تخف فإنهم يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء. وقال جرير بن عبد الحميد: كلام الجهمية أوله شهد وآخره سم وإنما يحاولون أن يقولوا ليس في السماء إله. رواه ابن أبي حاتم ورواه هو وغيره بأسانيد ثابتة عن عبد الرحمن بن مهدي قال: إن الجهمية أرادوا أن ينفوا أن يكون الله كلم موسى بن عمران وأن يكون على العرش أرى أن يستتابوا فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم. وقال يزيد بن هارون: من زعم أن الله على العرش استوى بخلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي. وقال سعيد بن عامر الضبعي - وذكر عنده الجهمية فقال - هم شر قول من اليهود والنصارى قد أجمع أهل الأديان مع المسلمين أن الله على العرش وقالوا هم: ليس عليه شيء. وقال عباد بن العوام الواسطي: كلمت بشر المريسي وأصحابه فرأيت آخر كلامهم ينتهي إلى أن يقولوا: ليس في السماء شيء أرى أن لا يناكحوا ولا يوارثوا وهذا كثير من كلامهم وهكذا ذكر أهل الكلام الذين ينقلون مقالات الناس مقالة أهل السنة وأهل الحديث كما ذكره أبو الحسن الأشعري في كتابه الذي صنفه في اختلاف المصلين ومقالات الإسلاميين فذكر فيه أقوال الخوارج والرافضة والمعتزلة والمرجئة وغيرهم ثم قال: ذكر مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث وجملة قولهم: الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وبما جاء من عند الله وبما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يردون من ذلك شيئاً - إلى أن قال - وأن الله على عرشه كما قال " ويقرون أن الله يجيء يوم القيامة كما قال: " قال الأشعري أيضاً في مسألة الاستواء: قال أهل السنة وأصحاب الحديث ليس بجسم ولا يشبه الأشياء وأنه على عرشه كما قال " قال: وقالت المعتزلة استوى على عرشه بمعنى استولى. وقال الأشعري أيضاً في كتاب الإبانة في أصول الديانة في باب الاستواء إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء قيل: نقول له إن الله مستوٍ على عرشه كما قال " وجملة قولنا أنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر ما تقدم وغيره جمل كبيرة أوردت في غير هذا الموضع وقال أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة الذي يذهب إليه أهل العلم: أن الله تعالى على عرشه فوق سمواته وعلمه محيط بكل شيء قد أحاط بكل شيء قد أحاط بجميع ما خلق في السموات العلى وجميع ما في سبع أرضين يرفع إليه أفعال العباد فإن قال قائل: أي شيء معنى قوله " والقول الذي قاله الشيخ محمد بن أبي زيد وأنه فوق عرشه المجيد بذاته وهو في كل مكان بعلمه قد تأوله بعض المبطلين بأن رفع المجيد ومراده أن الله هو المجيد بذاته وهذا مع أنه جهل واضح فإنه بمنزلة أن يقال الرحمن بذاته والرحيم بذاته والعزيز بذاته. وقد صرح ابن أبي زيد في المختصر بأن الله في سمائه دون أرضه هذا لفظه والذي قاله ابن أبي زيد ما زالت تقوله أئمة أهل السنة في جميع الطوائف وقد ذكر أبو عمرو الطلمنكي الإمام في كتابه الذي سماه الوصول إلى معرفة الأصول: أن أهل السنة والجماعة متفقون على أن الله استوى بذاته على عرشه وكذلك ذكره عثمان بن أبي شيبة حافظ الكوفة في طبقة البخاري ونحوه ذكر ذلك عن أهل السنة والجماعة وكذلك ذكره يحيى بن عمار السجستاني الإمام في رسالته المشهورة في السنة التي كتبها إلى ملك بلاده. . . وكذلك ذكر أبو نصر السجزي الحافظ في كتاب الإبانة له قال: وأئمتنا كالثوري ومالك وابن عيينة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وابن المبارك وفضيل بن عياض وأحمد وإسحاق متفقون على أن الله فوق العرش بذاته وأن علمه بكل مكان وكذلك ذكر شيخ الإسلام الأنصاري وأبو العباس الطرقي والشيخ عبد القادر ومن لا يحصي عدده إلا الله من أئمة الإسلام وشيوخه. وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني صاحب حلية الأولياء وغير ذلك من الصفات المشهورة في الاعتقاد الذي جمعه: طريقنا طريق السلف المتبعين الكتاب والسنة وإجماع الأمة قال: وما اعتقدوه أن الله لم يزل كاملاً بجميع صفاته القديمة لا يزول ولا يحول لم يزل عالماً بعلم بصير أيبصر سميعاً يسمع متكلماً بكلام أحدث الأشياء من غير شيء وأن القرآن كلام الله وسائر كتبه المنزلة كلامه غير مخلوق وأن القرآن من جميع الجهات مقروءاً ومتلواً ومحفوظاً ومسموعاً وملفوظاً كلام الله حقيقة لا حكاية ولا ترجمة وأنه بألفاظنا كلام الله غير مخلوق وأن الواقفة من اللفظية من الجهمية وإن من قصد القرآن بوجه من الوجوه يريد خلق كلام الله فهو عندهم من الجهمية وأن الجهمي عندهم كافر - وذكر أشياء إلى أن قال: وإن الأحاديث التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم في العرش واستواء الله عليه يقولون بها ويثبتونها من غير تكييف ولا تمثيل وأن الله بائن من خلقه والخلق بائنون منه لا يحل فيهم ولا يمتزج بهم وهو مستوٍ على عرشه في سمائه من دون أرضه وذكر سائر اعتقادات السلف وإجماعهم على ذلك وقال يحيى بن عثمان في رسالته: لا نقول كما قالت الجهمية إنه مداخل الأمكنة وممازج كل شيء ولا نعلم أين هو بل نقول هو بذاته على عرشه وعلمه محيط بكل شيء وسمعه وبصره وقدرته مدركة لكل شيء وهو معنى قوله: " وقال الشيخ العارف معمر بن أحمد شيخ الصوفية في هذا العصر أحببت أن أوصي أصحابي بوصية من السنة وأجمع ما كان عليه أهل الحديث وأهل المعرفة والتصوف من المتقدمين والمتأخرين فذكر أشياء من الوصية إلى أن قال فيها: وإن الله استوى على عرشه بلا كيف ولا تأويل والاستواء معقول والكيف مجهول وأنه مستو على عرشه بائن من خلقه والخلق بائنون منه بلا حلول ولا ممازجة ولا ملاصقة وأنه عز وجل بصير سميع عليم خبير يتكلم ويرضى ويسخط ويضحك ويعجب ويتجلى لعباده يوم القيامة ضاحكاً وينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا كيف شاء بلا كيف ولا تأويل ومن أنكر النزول أو تأول فهو مبتدع ضال. وقال الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني النيسابوري في كتاب الرسالة في السنة: ويعتقد أصحاب الحديث ويشهدون أن الله فوق سبع سمواته على عرشه كما نطق به كتاب وعلماء الأمة وأعيان سلف الأمة لم يختلفوا أن الله تعالى على عرشه فوق سمواته قال: وأما إمامنا أبو عبد الله الشافعي احتج في كتابه المبسوط في مسألة اعتاق الرقبة المؤمنة في الكفارة وأن الرقبة الكافرة لا يصح التكفير بها بخبر معاوية بن الحكم وأنه أراد أن يعتق الجارية السوداء عن الكفارة وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اعتاقه إياها فامتحنها ليعرف أنها مؤمنة أم لا! فقال لها: " أين ربك " فأشارت إلى السماء فقال: " اعتقها فإنها مؤمنة " فحكم بإيمانها لما أقرت أن ربها في السماء وعرفت ربها بصفة العلو والفوقية. وقال الحافظ أبو بكر البيهقي باب القول في الاستواء. قال الله تعالى: " وقال أبو عمر بن عبد البر في شرح الموطأ لما تكلم على حديث النزول قال: وهذا حديث لم يختلف أهل الحديث في صحته وفيه دليل أن الله في السماء على العرش من فوق سبع سموات كما قالت الجماعة وهو من حجتهم على المعتزلة قال هذا أشهر عند الخالصة والعامة وأعرف من أن يحتاج إلى أكثر من حكايته لأنه اضطرار لم يوقفهم عليه أحد ولا أنكره عليهم مسلم. وقال أبو عمر أيضاً: أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم قالوا في تأويل قوله ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم هو على العرش وعلمه في كل مكان وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله. وقال شيخ الإسلام المسؤول أيده الله: فهذا ما تلقاه الخلف عن السلف إذا لم ينقل عنهم غير ذلك إذ هو الحق الظاهر الذي دلت عليه الآيات الفرقانية والأحاديث النبوية فنسأل الله العظيم أن يختم لنا بخير ولسائر المسلمين وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا بمنه وكرمه إنه أرحم الراحمين والحمد لله وحده.
|